الحضارة لا بد لها من ضريبة، والتطور شجرة تنمو لها فروع وتتهاوى منها أخرى، والحياة عجلة تدور وتدور فلا دوام لحال، ولا قرار دون زوال، والمتمعن لواقعنا يدرك فداحة ما فقدنا من قيم، وما هتكنا من عرض شيم، وكأننا عجينة صب خبازها فوق رأسها ما ادخر من خميرة فورية فانتفخت وانتفخت متجاوزة حدود آنيتها، ومترهلة متدلية تتمدد هنا وهناك، فذاب طعمها، وتغيرت رائحتها، وشاب لونها شيء من وحل، فعافتها النفوس واحتارت في وصفها الرؤوس، وعجزت عن فك طلاسمها الدروس، ولقد اتخذت طرفي العنوان من هذا المبدأ كرمزين لعظيمين سادا ثم بادا، فاخو فلانة أبدل بأبي فلان، والحنان والتواصل حد الامتزاج أصبح ضربا من الخيال في دنيا المزاج، فالأخ لم يعد يتذكر أخته لأن كل واحد منهما نشأ وترعرع في غرفة لوحده يوصد بابها، ويعتكف داخلها يداعب جهازه الجوال وإن تلاقيا مصادفة انزوى كلاهما في ركن منشغلا ( بوات سابه ) فتباعدت القلوب واختلفت الدروب، فمتى نسمع مجددا : أخو سعيدة أخو سلامة أو مريم أو نورة أو حتى بهزة ؟!

أما الشق الثاني من العنوان فهو صرح من خيال هوى، كان الشيخ هو الحاكم والقاضي والراعي والأمين، يأتي لمركز الجهة ويسأل عن أفراد قبيلته ويذهب إليهم ويستضيفهم ويسمع منهم ويقول لهم، لا يمكر ولا يشتم ولا يهين، ويتجاوز فأحبه الجميع يضحكون لقاءه ويبكون فقده، أول من يصل إلى الحدود وآخر من يصدر من دواوين الوفود، أما اليوم فقد لزم مكان تجارته، وقضى في عد قروشه، لا يذهب للبعيد ولا يصل القريب، مصلحته فوق القبيلة، وإن حضر عبر، وإن وقف شذر، وإن قال مكر، وإن سمع ضجر، كثر في مجلسه قيل وقال، سواليفه تيدر وشيول وبوكلين ورصيد، لا وقت لديه لمراجعة ولي الأمر، ولا لحل أقل مشاكل مجتمعه فأصبح عبئاً على الغوارب، ومحسوبا على الشوارب، فتجافت عنه قبيلته خوف لسانه ولعانه، وتنمر عليه من يشاركه في تجارته وأعماله والأمر بيديه، إن أردت سيدي الشيخ أن تعود كما كنت حظوة وسطوة فاخلع نعلي تعاليك، وافتح ذراعيك لقاصديك وناصحيك، وأصلح بين الناس، واحتمل قضاياهم لسلطتهم، وراجع في مظلومهم، وتحرك لإدراك حدودهم واجلس في جلسات دورية مع من تختار من رجالهم المعدودين في كل أسبوع مرة، وباشر المشاكل قبل وصولها إليك، واقطع الحبال قبل أمتدادها ليديك، وثق بأن الجميع معك ومن شذ شذ في النار، شيخنا نحن بحاجة ماسة إليك فأين نجدك؟!